بعد حالة عزة سعيد.. أمراض نفسية قد تصيبك لعدم تحقيق أحلامك
في ضوء الجدل الذي أثارته حالة الفنانة عزة سعيد عقب ظهورها الأخير بحالة نفسية غير متزنة وتصريحات غريبة أثارت تعاطف الجمهور، تسلّطت الأضواء من جديد على الجانب النفسي للفنانين والأشخاص الطموحين، خصوصًا أولئك الذين يربطون سعادتهم المطلقة بتحقيق حلمٍ معين.
فالإنسان عندما يتعلق بشكل مفرط بأحلامه دون أن يتمكن من الوصول إليها، قد يواجه سلسلة من الاضطرابات النفسية والعاطفية التي لا تقل خطورة عن الأمراض الجسدية. هذه الحالات لا ترتبط فقط بالمشاهير أو الفنانين، بل يمكن أن تصيب أي شخص يعيش حالة من الإحباط المزمن أو التعلق غير الواقعي بالنجاح.
وفيما يلي من لهلوبة، نستعرض أبرز الاضطرابات النفسية التي يمكن أن تصيب الإنسان عندما يصبح الحلم عبئًا بدلًا من دافع للحياة.
أمراض نفسية قد تصيب الإنسان عند التعلق المفرط بأحلامه وعدم تحقيقها
- الاكتئاب النفسي (Depression):
يُعد الاكتئاب من أكثر الأمراض النفسية شيوعًا بين الأشخاص الذين يواجهون إخفاقات متكررة في تحقيق أحلامهم.
فالتعلّق الزائد بفكرة النجاح، خاصة عندما تكون الصورة الذهنية عن الذات مرتبطة تمامًا بالإنجاز، يجعل الفشل في تحقيق الهدف بمثابة انهيار داخلي للإنسان.
في هذه الحالة، يبدأ الفرد بفقدان الرغبة في الحياة، ويشعر أن كل ما فعله بلا قيمة. وقد تظهر عليه أعراض مثل الانعزال، فقدان الشهية، اضطراب النوم، الشعور بالذنب، وانعدام الطاقة.
ومع مرور الوقت، يتحول الحلم من مصدر إلهام إلى مصدر ألم مستمر، يسرق من صاحبه الفرح والأمل.
- اضطراب الهوية وفقدان الإحساس بالذات (Identity Disorder):
من أكثر المشكلات التي يعاني منها الأشخاص الذين يربطون قيمتهم الذاتية بالنجاح المهني أو الشهرة.
فحين يفشل الإنسان في تحقيق الحلم الذي بنى عليه إحساسه بنفسه، يبدأ بفقدان هويته الداخلية، ويشعر بأنه شخص بلا هدف أو معنى.
هذه الحالة النفسية تجعل المصاب يتقمص شخصيات أو قصصًا وهمية أحيانًا كوسيلة دفاعية للهروب من الواقع، وهو ما قد يفسر سلوكيات وتصريحات غير واقعية تصدر من بعض الأشخاص بعد انهيار حلمهم.
ويُعتبر هذا الاضطراب من المؤشرات الخطيرة التي تحتاج إلى علاج نفسي فوري لتجنب الدخول في مراحل أكثر تعقيدًا.
- اضطراب الانفصال عن الواقع (Derealization / Depersonalization):
وهو من الاضطرابات التي قد تصيب من يتعرض لصدمات نفسية متكررة نتيجة الإخفاق أو الرفض الاجتماعي.
يشعر المصاب وكأنه يعيش خارج جسده أو أن العالم من حوله غير حقيقي، كوسيلة دفاع من العقل لتخفيف الألم النفسي الناتج عن الفشل أو الخيبة.
يبدأ الشخص في تجاهل الواقع أو إعادة صياغته بطريقة وهمية ليحافظ على توازنه النفسي، وهو ما قد يُظهره بمظهر غريب أو غير منطقي للآخرين.
- اضطراب القلق العام (Generalized Anxiety Disorder):
عندما يصبح الحلم هاجسًا، يبدأ الشخص بالعيش في قلق دائم من الفشل أو من مرور الوقت دون تحقيق الهدف.
هذا القلق المستمر قد يؤدي إلى توتر عضلي، خفقان القلب، ضيق في التنفس، صعوبة في التركيز، وأحيانًا نوبات هلع.
الكثير من الطموحين والمبدعين يعيشون في دائرة من الخوف الدائم من خسارة الفرص، وهو ما يجعلهم عبيدًا لطموحهم بدلًا من أن يكونوا قادته.
ومع تكرار التجارب الفاشلة أو تأخر الحلم، يتحول القلق إلى حالة مرضية مزمنة تحتاج إلى تدخل نفسي متخصص.
- اضطراب الاضطهاد أو جنون العظمة (Delusional Disorder):
في بعض الحالات، يتحوّل التعلق بالحلم إلى قناعة مرضية بأن هناك من يتآمر على الشخص أو يمنعه من تحقيق النجاح الذي يستحقه.
يبدأ المصاب في خلق قصص خيالية عن مؤامرات، أو يتوهم أنه موهبة عظيمة لم تُكتشف بعد بسبب حسد الآخرين أو إهمالهم.
هذا النوع من الاضطراب يُعرف بـ"اضطراب الضلالات"، ويُصاحبه انفصال جزئي عن الواقع، بحيث يعيش الإنسان في عالم من الأوهام والتبريرات التي تريحه نفسيًا لكنها تضعف ارتباطه بالواقع تدريجيًا.
- اضطراب ثنائي القطب (Bipolar Disorder):
من الأمراض التي تصيب الأشخاص ذوي الشخصيات الطموحة والحساسة، خاصة من يعملون في المجالات الفنية والإبداعية.
في هذه الحالة، يتأرجح المصاب بين نوبات من الحماس المفرط والطاقة العالية (الهوس)، وأخرى من الاكتئاب الشديد والإحباط.
خلال فترات الحماس، يشعر الشخص بأنه قادر على تحقيق المستحيل، ويتحدث بثقة مفرطة عن إنجازات ضخمة أو مشاريع غير واقعية، ثم يدخل في حالة انهيار كامل عندما يواجه الواقع.
وقد تكون هذه الحالة من أكثر ما يفسر السلوكيات المتقلبة التي تظهر على بعض الفنانين أو الطموحين عندما يفشلون في الوصول إلى أحلامهم.
- اضطراب الشخصية الحدّية (Borderline Personality Disorder):
هذا الاضطراب يرتبط غالبًا بالأشخاص الذين يعيشون بين التعلق الشديد بالأحلام والخوف من فقدانها.
يتسم صاحبه بعدم استقرار عاطفي حاد، وردود فعل مبالغ فيها، وشعور دائم بالفراغ والملل.
عندما يفشل في تحقيق حلمه، يشعر بالانهيار الكامل، وقد يلجأ إلى سلوكيات اندفاعية أو غير عقلانية في محاولة لاستعادة الشعور بالقيمة الذاتية.
وهذا ما يفسر التناقضات العاطفية والسلوكية التي تظهر على بعض الشخصيات العامة بعد الإحباطات المهنية.
ختامًا، الطموح جميل، والسعي وراء الحلم حق إنساني أصيل، لكن المبالغة في التعلق به قد تحوّله إلى فخ نفسي قاتل. فالحلم يجب أن يكون وسيلة للنمو لا سجنًا للعقل، ومن الضروري أن يتعلم الإنسان أن يتقبّل الفشل كجزء من رحلة النجاح، لا كنهاية لها.
كما أن الوعي النفسي والدعم الاجتماعي والعلاج المبكر يمكن أن ينقذ الكثيرين من الوقوع في هاوية هذه الاضطرابات، خصوصًا في المجالات التي تقوم على الشهرة والتنافس مثل الوسط الفني.
وفي ضوء حالة الفنانة عزة سعيد، يتضح أن التعلق المفرط بالمجد الفني قد يتحول أحيانًا إلى مأساة نفسية صامتة، تذكّرنا بأن النجاح الحقيقي يبدأ من التوازن الداخلي لا من الأضواء الخارجية.